خمس دقائق وحسب، هبة الدباغ — A Blitzkrieg Review!

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العرش العظيم والصلاة والسلام على نبيه الكريم.

في هذه المراجعة السريعة لرواية خمس دقائق وحسب لمؤلفتها هبة الدباغ، لا بد من الحديث أولاً عن أدب السجون. وفي الحقيقة لست ممن قرأ في الكثير، فكل ما قرأته في هذا الباب هو: القوقعة، يسمعون حسيسها وروايتنا هذه خمس دقائق وحسب. ولكن هذا الصنف من الأدب يمكن أن تتوضح لك معالمه الأساسية من قراءة رواية واحدة إن كانت بالمستوى المطلوب. وفي تجربتي مع هذا الأدب كانت رواية يسمعون حسيسها هي الأقوى والأفضل من بين ما قرأته.

فهذا الباب في الأدب الروائي يحاول نقل واقع يغيب عن الناس في متاهة الحياة اليومية التي يعيشونها. يروي لهم ما يحدث خلف السجون التي ربما يمرون أمامها في كل يوم دون أن يدروا شيئاً عن ساكنيها! وهذا الباب في الأدب هو تحد للكاتب، لأنه لا يسيتطع أن يكتب فيه ما يحلو له! بل يجب أن يكون الكاتب إما شخصاً ذاق تلك الويلات بنفسه أو كاتباً ينقل تجربة شخص آخر عاش تلك التجربة.

في رواية يسمعون حسيسها كان الوضع أن كاتباً هو أيمن العتوم يقص بلغته وأسلوبه قصة أحد السجناء الذين قضوا في تدمر سنوات طويلة. وكانت الرواية برأيي مستجمعة لكل ما يجب أن ينطوي ضمن هذا الباب في روايات أدب السجون! ولعل ما يمكن أن نذكره هو الوصف الشامل للتجربة من بدايتها لنهايتها مع تضمين أدق التفاصيل، وما أكثرها في هذا الباب!، في صفحات الرواية. ومن ثم نقل التجربة الإنسانية التي يعيشها السجين من بدايتها لنهايتها، ونقل وتوصيف الواقع كما هو بدون زيادة أو نقصان. بالإضافة، وهذا عامل مهم، إلى إسقاط كل ذلك على رؤيتنا لحقيقة الحياة الإنسانية وخوض أسبار وأغوار النفس الإنسانية التي يظهر منها في هذا السياق ما يستحق التحقيق والخوض فيه وفي أسبابه وأصوله وكيفية نشأته!

إذاً جانب نقل الواقع بدقة جانب مهم، وجانب تحليل النفس البشرية جانب مهم أيضاً. ونضيف الأمانة في النقل وبالضرورة البعد عن التكرار الذي لا يعكس أية فائدة، وقوة سبك تسلسل الأحداث في النهاية كلها عناصر تضمن للرواية من هذا الباب أن تؤدي رسالتها المهمة والتي يجب علينا حقيقة أن نطلع عليها لكي نعرف جانباً مهماً من جوانب النفس البشرية وما يحدث من حولنا بدون أن ندري أحياناً!

في روايتنا هذه “خمس دقائق وحسب” يمكن أن نقول أنها تفتقد للكثير من هذه العناصر المهمة في روايات أدب السجون. فرغم أن أي تجربة في سجون نظام الأسد المجرم هي تجربة إنسانية لا يمكن إلا أن نقف أمامها بكل ما لدينا من تعاطف وأخوة إنسانية! إلا أننا عندما نتحدث عن الرواية، فنحن نتحدث عن عمل أدبي يجب أن يتضمن عناصر مهمة لكي يبتعد عن كونه مجرد خبر ما أو سرداً لأحداث متسلسلة وقعت لشخص ما في فترة من فترات حياته، وروايتنا هذه هي من هذا الشكل!

فالرواية التي تتحدث عن رحلة كاتبتها هبة الدباغ في سجون النظام المجرم، لا تعدو عن كونها تأريخاً وسرداً لأسماء دخلت معها السجن وخرجت قبلها أو معها لاحقاً. هناك تصوير لأوضاع السجن لكنه يفتقر الدقة بشكل كبير. اللغة في الرواية ضعيفة جداً، وكما ذكرت على طول الرواية لا تسمع سوى اسم للسجينات اللاتي دخلن السجن وسبب سجنهن ومن ثم متى خرجن، لا أكثر من ذلك ولا أقل! هناك بين الحين والحين توصيف لما يحدث مع السجينات لكنه ليس توصيفاً شاملاً لحياتهن في السجن ويفتقر إلى الكثير من العناصر الفنية التي كان يمكن أن ترفع قيمة العمل ككل وعلى رأسها اللغة الرصينة.

وهناك عامل أعتقد أنه مهم بشكل من الأشكال، هو تغييب بعض التجارب أو الغض عن توصيفها كما حدثت، وربما نعزو ذلك لأننا نتحدث عن رواية تخص سجينة وليس سجين. فربما كان الحياء من طرف الكاتبة ورغبتها بعدم الخوض في هذه الناحية هو سبب غياب الدقة في توصيف ما حدث. ولكن الدقة والأمانة في النقل في هذا الباب يجب أن تكون مقدمة رغم أننا في خوض الحديث عن المرأة وما يترتب على ذلك من حياء في بعض الألفاظ أو سوق ما حدث بالفعل وراء تلك السجون المظلمة! فأدب السجون في النهاية هو نقل لتجربة إنسانية ويجب أن يكون نقلاً أميناً بدون غض الطرف عن أي جزء من تلك التجربة!

في النهاية، الرواية هي مجرد سرد لأسماء وبعض التوصيف (الذي ينقصه الكثير) لأوضاع سجيناتنا في سجون نظام الأسد المجرم!

هل تستحق القراءة؟ برأيي لا داعي لقرائتها، ويمكن الاستعاضة عنها برواية يسمعون حسيسها لأيمن العتوم، والقوقعة لمصطف خليفة.

أضف تعليق