قصاصات! — 1

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العرش العظيم والصلاة والسلام على نبيه الكريم.

الأفكار تأتيك في أي وقت، وأياً كان الموضوع أو المواضيع التي تشغل تفكيرك، فإن فكرة ما قد تأتيك حيث لا تدري! وماذا تفعل معها حينها؟ إياك أن تقول لنفسك سأتذكرها لاحقاً! إياك أن تفعل ذلك!! خير ما تفعله هو أن تسجلها في مكان ما، على قصاصة ورق صغيرة ربما، ثم تعود إليها في الوقت المناسب. ولكن إحرص على أن تعود! حتى لا تتراكم قصصات الورق تلك وربما ضاعت فتضيع معها كل تلك الأفكار التي زارتك ولم تحسن ضيافتها!

وكاد ذلك أن يحصل معي! فبينما تجمعت لدي كمية كبيرة من هذه القصاصات، قمت بوضعها في دفتر صغير علي أعود فأقرؤها ثم أنظمها بعد حين، وأخذ بيد كل فكرة إلى حيث تنتمي! وفجأة وقع قدر الله في ذلك الشهر حيث حصل الزلزال الكبير في تركيا وسوريا والذي ربما سمعت عنه. عندما حصل ذلك الزلزال خرجنا من منزلنا وتم منعنا بعدها من الدخول إليه. وشاع أن بنائنا هذا سيتم هدمه ولن نستطيع استخراج أي شيء من أشيائنا! في تلك اللحظة أول ما خطر ببالي وحز في قلبي هو دفتر القصاصات ذاك! لا أشد من الحزن الذي انتابني وأنا أشعر بأني قد أفقد كل تلك الأفكار التي لم أعد إليها ولم أعطها حقها الذي تستحقه!

ولكن وبفضل الله، أُذن لنا في اليوم التالي للدخول واستخراج الأوارق الرسمية والأشياء ذات القيمة فقط، ولك أن تحزر بأن أول ما التقطته مع الأوارق الرسمية من غرفتي هو دفتر القصاصات ذاك! لا شيء أكثر قيمة من فكرة يرزقك الله بها من حيث لا تدري!

وتستمر العادة طبعاً، وتكثر القصاصات وتتكاثر وتلتصق هنا وهناك على أرجاء الطاولة، وكلما امتلئت المنطقة كما ترى أقوم بحملها وإضافتها إلى الدفتر السابق الذكر على أمل العودة لها بعد حين. وللآن لم أقم بما يجب القيام به نحو كل تلك الأفكار، ولكن خطر ببالي البارحة أن أكتب عن هذه الأفكار هنا في المدونة، فهي أفكار في النهاية وما المدونة إلى مكان ومحط للأفكار أيضاً. وفي نفس الوقت أكون قد سجلتها في مكان آخر غير دفتر القصاصات وهو نوع من الحماية لها بشكل من الأشكال.

لنرى ماذا لدينا في هذه القصاصات! ونبدأ من اليمين.

القصاصة الأولى:

قصة قصيرة عن ضرورة وجود الهدف SMART، مالذي تحدثه وتغيره في هذه الدنيا حولك؟

لا يغيب عن أحد أهمية وجود الهدف في حياة كل منا، ولكن وجود الهدف بشكل عام لا يكفي، فهذا الهدف يتصف بمواصفات معينة حتى تصل إليه. هذه المواصفات هي نفسها التي نعبر عنها بكلمة SMART وهذه الكلمة تستخدم في حقل إدارة الأعمال والمشاريع للتعبير عن المواصفات التي يجب أن تنطبق على المهام (أو الأهداف) التي ننفذها حتى ننجح في الوصول إليها. وهي كالتالي:

الصورة تشرح نفسها، ولكن نضرب مثلاً أو مثلين، مثل عام ومثل خاص. في العام لنقل أن طالباً يريد أن يصبح طبيباً. هذا الهدف حقق الشرط الأول وهو أن يكون محدداً وواضحاً لا لبث فيه. فهو لم يقل أنه يريد أن يكون مفيداً للبشرية مثلاً، فهناك مئات الطرق التي يمكن للإنسان أن يكون فيها مفيداً للبشرية، لذلك فعبارة “أن يكون مفيداً للبشرية” لا تحقق الشرط الأول، وهي غير واضحة، بينما عبارة “سأصبح طبيباً” هي عبارة واضحة محددة المعالم لذلك تحقق الشرط الأول من شروط الأهداف. المثال الخاص أن تقرر مثلاً أن تمارس الرياضة كل يوم لمدة نصف ساعة. هذا أيضاً هدف محدد واضح، بينما أن تقول أريد أن أكون صحيح الجسم فهذا غير محدد، إذا هناك ألف باب وباب لكي تكون صحيح الجسم!

الشرط الثاني أن يكون الهدف قابلاً للقياس، والمقصود بذلك أن يكون طريقك ووصولك إليه قابلاً للقياس. ففي مثالنا العام تستطيع إن كنت طالباً في الثانوية أن تقيس وصولك للهدف بالكم الذي تنجزه من دراستك. فمثلاً لو درست 50% من المنهاج يمكن أن نقول بأنك خطوت 50% تقريباً من الطريق الذي سيوصلك إلى هدفك بإذن الله. في مثالنا الخاص تستطيع أن تقيس إنجازك لهدفك بالمدة التي تلتزم فيها بالتدريب والرياضة كل يوم. مثال عن هدف غير قابل للقياس أن تقول بأني أريد أن أكتب قصصاً قصيرة، بدون أن تحدد الكم الذي ستنجزه في مدة زمنية محددة. هنا نلاحظ رغم أن الهدف واضح ومحدد إلا أنه (بهذه الصيغة) غير قابل للقياس! بينما لو قلت أريد أن أكتب قصة قصيرة كل أسبوع فهو بذلك يصبح قابلاً للقياس.

الشرط الثالث أن يكون قابلاً للتحقيق. وهذا الشرط يشرح نفسه بنفسه. فأن تصبح طبيباً هو هدف قابل للتحقيق، وإن احتاج الكثير من الدراسة والجد، ولكنه في النهاية قابل للتحقيق. طبعاً يجب أن تكون في دراستك واقعياً وتحدد أهدافاً قابلة للتحقيق بالنسبة لك. أن تقول أنك ستتدرب كل يوم وتمارس الرياضة لنصف ساعة هو هدف قابل للتحقيق، بينما أن تقول سوف أمارس الرياضة عشر ساعات فهذا شيء غير وارد تماماً!

الشرط الرابع أن يكون للهدف علاقة بمخططاتك بشكل عام، بمعنى أن يكون له علاقة بما هو أوسع منه. أن تكون طبيباً هو هدف له علاقة بمتابعة مسيرتك الدراسية في الجامعة، وأن تمارس الرياضة هدف له علاقة بأن تعيش بصحة وعافية. لكن لو قلت هدفي أن يصبح فلان طبيباً مثلاً أو أن يمارس فلان الرياضة، أو أن تقول هدفي أن أدرس كتاباً في الهندسة المدنية وأنت طبيب فهذا هدف لا علاقة له بمسارك المهني، وهو بذلك غير واقعي وغير منطقي! على العكس من قولك هدفي أن أقرأ مرجعاً طبياً كل سنة وأنت تدرس الطب، فهذا هدف متصل تماماً بهدفك العام وهو أنت تصبح طبيباً.

الشرط الرابع والأخير هو أن يكون هناك حد زمني واضح لتحقيق الهدف. والمقصود أن يكون هناك فترة زمنية واضحة يجب أن تنهي خلالها إنجازك لهذه المهمة ووصولك لهذا الهدف. أن تقرأ كتاباً في أسبوع هدف محدد بزمن ولهذا الزمن نهاية واضحة تماماً. أما أن تقرأ كتاباً في أقصر وقت ممكن أو حسبما يتسنى لك فهذا هدف غير محدد بنطاق زمني واضح.

هذه الشروط مفيدة جداً في تحقيق الأهداف وتحديدها ومن ثم العمل على الوصول لها. طبعاً لا يشترط معرفتك لها حتى نقول عنك بأنك صاحب هدف وأنك تسعى إليه. فقد تكون كذلك بكل تأكيد بدون هذه التفاصيل، وحتماً ستكون مطبقاً لها وإن لم تعرف بتفصيلاتها، التي هي مواضيع إدارية بحتة، ولكن من المفيد حتماً الاطلاع عليها.

القصاصة الثانية:

Live other’s life for a while, Can hear what others think (of), Can delete a memory (of his selection)

هذه القصاصة فيها ثلاث أفكار لمجموعة قصصية ثانية أريد العمل عليها لاحقاً. قد تسأل وما هي المجموعة الأولى التي عملت أو تعمل عليها حالياً؟ وقد تسأل ومنذ متى وأنت تكتب القصص القصيرة؟ وبما تسأل أيضاً لماذا تكتب القصص القصيرة؟ وإن سألت سؤالاً آخر فاكتبه لي لأجيب عليه 🙂

نبدأ من السؤال الأخير: لماذا تكتب القصص القصيرة؟

القصص القصيرة فن من فنون الكتابة، له ميزات خاصة به بكل تأكيد. وكلنا قرأنا في مرحلة من مراحل حياتنا سواء الدراسة أو خارجها قصة أو قصصاً قصيرة، ولا شك أننا عشنا في حياتنا أحداثاً يمكن أن تكون قصصاً قصيرة رائعة بكل تأكيد. بالنسبة لي تنبهت إلى جمال هذا الباب من أبواب الكتابة بعد قرائتي لقصة قصيرة لكاتبة سورية (رجاء محمد الجاهوش) على موقع الألوكة، والقصة كانت بعنوان (صبر ساعة). القصة قصيرة جداً، ربما نصف صفحة، والمغزى والفكرة منها واضحة تماماً، فلربما تقول لماذا القصة إذاً إذا كنا نستطيع التعبير عن المغزى والفكرة من تلك القصة بسطر أو بجملة واحدة، وهي أن النصر والفرج يأتي بصبر ساعة! إذا قرأت القصة ستدرك أن وقع القصة سيكون مختلفاً تماماً عما إذا قرأت الحكمة والفكرة منها هكذا بشكل مجرد!

القصة تجبرك على تخيل الحوادث مهما كانت قصيرة وتجبرك على أن تعيش هذه الأحداث وتتفاعل مع الشخصيات وتتمنى لو أنها تصرفت بشكل مختلف مثلاً أو تحمد الله أنها تصرفت بهذا الشكل أو ذاك! أما الحكمة والفكرة بشكل مجرد فهي تنسى سريعاً ولا يكون لها نفس مفعول القصة مهما كانت القصة قصيرة! كانت الكاتبة تستطيع بكل تأكيد أن تطيل القصة، ولكنها بهذا الشكل أوصلت لك الفكرة بأحداث قصيرة جداً، وهي بذلك تزرع الفكرة زرعاً في فكرك ويصعب أن تنساها بعدها! وتصبح تلك القصة مرتبطة بشكل طبيعي مع تلك الحكمة والفكرة المجردة! فالإنسان مجبول على تذكر القصص والحكايا، ولعل لهذا الباب في القرآن الكريم أهمية كبيرة وكبيرة جداً!

وبعدها تذكرت قصة قرأناها في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية (لست أذكر :)) في إحدى مقررات اللغة العربية، وكانت القصة عن رجل يعمل في تحميل أكياس السكر في أحد معامل السكر. والسكر مبعثر في كل مكان في الأرض وتحت الأقدام. وعندما يعود للمنزل تصنع له زوجته بعض الشاي، ولكنه يضطر لشربه بلا سكر لأنه لا يمتلك ثمن السكر!

هذه القصة أيضاً على قصرها تعطيك الكثير من المعاني وتنطبع في ذاكرتك تماماً، وهئنذا أتذكرها بعد كل تلك السنين! طبعاً لا تخلو كتب القصص القصيرة من القصص القصيرة عديمة المعنى! والتي تنساها بمجرد أن تغلق الكتاب، وحدث ذلك مع كتاب قمت بتحميله منذ أيام يحمل عنوان: قصص قصيرة يابانية، قرأت أول قصة فيه فكان أول ما نطقت به بعد أن انتهيت منها: ما هذا الهراء! لذلك ليست كل القصص القصيرة بنفس المستوى وليست كلها تؤثر فيك بالطريقة نفسها!

ومن جميل المصادفة أني بعد أن فتحت صفحة الكاتبة رجاء محمد الجاهوش على الموقع، قرأت لها مقالة (نقطة وسطر جديد) فعادت بي الذاكرة مباشرة إلى مجلة العربي وتذكرت أني قرأت هذه المقالة في إحدى أعدادها، ولكثرة ما أعجبتني المقالة كتبتها على شكل تدوينة هنا في هذه المدونة: نقطة وسطر جديد.

بالعودة إلى قصتها السابقة الذكر، وبعد الأثر الجميل الذي تركته في، ولأني أساساً كنت أفكر في كتابة رواية (بضعة روايات لأكون صادقاً) ولأني بعد أن شاهدت عدة فيديوهات لكتاب كبار عن كيفية البدء بالكتابة، ولأن الجميع كان يوصي بعدم البدء بكتابة الرواية مباشرة بل البدء بالقصص القصيرة، بعد كل ذلك قررت البدء بكتابة القصص القصيرة، وهذا ما كان بتوفيق الله. واليوم أتمتت كتابة القصة القصيرة رقم 15كما أعتقد، وأتمنى أن تخرج للنور قريباً بإذن الله.

وقد كنت بدأت بنشر بعضها هنا على هذه المدونة، ولكني قمت بإزالتها مبدئياً حيث أن دور النشر تشترط ألا تكون القصص قد تم نشرها مسبقاً، لذلك قمت بإزالتها حتى حين. (إذا أحببت أن تقرأها يمكن أن تكتب لي على تلغرام أو على الإيميل وأنا أرسلها لك وسأكون سعيداً بسماع رأيك بها).

بالنسبة للسؤالين الأوليين، عن المجموعة التي أعمل عليها حالياً والمجموعة التي كانت عنها القصاصة الثانية، فالمجموعة التي أعمل عليها حالياً هي مجموعة قصص واقعية، عشت بعض أحداثها بنفسي فكتبت عنها في قالب قصة قصيرة، والبعض متخيل يهدف إلى إيصال فكرة أو معنى محددين بقالب قصصي قصير آمل أن أكون قد وفقت فيه. أما عن المجموعة الثانية التي أنوي العمل عليها لاحقاً فهي تميل للطابع اللاواقعي، شيء يشبه الخيال العلمي، لكن بصورة أقل خيالاً وأقل تطرقاً للعلم. وفي هذا الباب كانت هذه الأفكار الثلاثة التي دونتها في تلك القصاصة! وأمل أيضاً أن يوفقني الله فيها.

هذا كان فيما يخص القصاصتان الأوليان، وقد ظننت أنه يمكن الكتابة عن جميع القصاصات في تدوينة واحدة، ولكن نترك ذلك لتدوينة جديدة عن قصاصات جديدة! ودمتم بكل الخير!

والحمد لله رب العرش العظيم والصلاة والسلام على نبيه الكريم.

أضف تعليق